-A +A
فؤاد محمد عمر توفيق
اللا مركزية عنوان رئيسي في سبيل تطوير خدمات هذا المرفق الحيوى الهام على كافة الأصعدة والمستويات. فبالمقارنة ــ وإن كانت المقارنة لا تجوز أحيانا ــ ففي الدول المتقدمة في الرعاية الصحية مثل أمريكا وسويسرة.. وغيرهم.. لا يوجد إدارة عامة للشؤون الصحية أو الوزارة لتقوم على كافة المناقصات لتزويد المستشفيات بمتطلباتها. ولا يوجد مدير للمستشفى يتحكم في كافة شؤونه وأقسامه.. وإنما مدير يقوم على خدمة طلبات الأقسام. كل قسم لديه جناح في المستشفى به مستودع أدوية في طابقه وأجهزته وجهازه الفني وله مجلس من أطبائه يترأسه كبيرهم يقررون احتياجاتهم من النوعية والكمية ويقررون أحوال المرضى وإقاماتهم واختيار وتعيين الجهاز الفني المساعد بما في ذلك الممرضون.. دون تدخل غير مقبول من مدير المستشفى الذي يقوم جهازه على تأمين متطلبات الأقسام والإشراف على الشؤون الأخرى مثل صيانة المستشفى.. وتعامله مع الموقع والعوامل المحيطة به.. وتصريف الأمور في ذلك وتسهيل كل العوائق لخدمة الأقسام..
وإن كانت المقارنة لا تجوز أحيانا ــ كما أسلفت.. ولكن هل من المعقول أن تستمر الإدارة الطبية بالنحو الذي نراه في مركزية المشتريات وسلطة الوزارة والمدير العام في المنطقة ومدير المستشفى ؟ بينما الخروج بالصلاحيات والمسؤوليات لمستوى الأقسام ومعرفة الأطباء باحتياجاتهم أكثر إنتاجية ــ حتى لو لزم أن يكون لكل مستشفى «ميزانية مستقلة» كهيئة مستقلة لها نظامها المالي والإداري المرن.. تخضع لجهاز رقابي دوري مناسب عمليا وإداريا.. ومتكافىء فنيا.. وقد يكون مثل هذا الاستقلال سببا يحول دون احتكار مناقصات الأدوية والأجهزة الطبية على المتعهدين والشركات الكبيرة فقط.

يرى البعض أن تحسين الخدمات الطبية ليس من واقع قصور في دعم الدولة ــ حفظها الله ــ بالمد المالى.. وإنما في أسلوب الإدارة التي يمكن إعادة هيكلتها لتتوافق مع تحسين الإنتاج الخدمي.. تحسين يعيد للطب والأطباء مكانتهم.. بل وفعاليتهم.. وارتقاء إنتاجهم.. وبتفريـغ المركزية والجهاز المرتبط بها إلى المستشفيات مباشرة. وتكون الوزارة وعلى رأسها وزيرها المخلص الدؤوب والحريص مع عديد من الكفاءات التي استفادت من التعليم في الغرب المتطور طبيا.. بل وممارسة العمل الطبي لديه.. يعلمون تماما اختلاف المسلك والنهج العملي وضرر المركزية على الإنتاجية بل وعلى إبقاء واحتضان الكفاءات الطبية التي تجد في أعمالها الخاصة وهروبها بمسميات مختلفة من البقاء تحت الضغوط المركزية والتسلط الإداري في المستشفيات.
الأمر يستوجب أن تكون متطلبات الاقسام الطبية تحت قرارات أقسام أطبائها في كل مستشفى.. وهم أكثر معرفة وقدرة للتعامل مع المريض واحتياجاتهم والتحكم في أمورهم.. ليس فقط للحقيقة في ذلك.. بل وأيضا تقديرا لخبراتهم وعلمهم وأعمالهم.. واعترافا بقدراتهم وكفاءاتهم واحتراما لأهميتهم ومكانتهم.. وتحقيقا للقرارات والإدارة الطبية المفيدة والمتطورة.. بيد أن تنوع أمراض ومناخات المناطق المتسعة في بلادنا قد تفرض تنوعا واختلافا في المواد المطلوبة.
ربما يكون الرأي مناسبا فيما لو تم الالتفات إلى دارسته وتعديله وتطويره بما يحقق التحسين والمصلحة العامة المتمثلة في المريض المواطن.. ويتناسب مع الإنفاق الضخم الذي تقدمه الدولة في هذا المضمار.. والأمل كبير في معالى الوزير المتخصص.. أن يقوم بما لم يتم من قبل في تاريخ هذه الوزارة التي ظلت منذ القديم تسير بنهج إدارى مترنح.. بيد أنه شملها التطوير في المباني والأجهـزة وعدد المستشفيات.. إلا أن أيا لم يلمس التحسين الإداري وفض المركزية.. لتطوير خدماتها.. ولربما يكون هذا مفتاح القضية التي ظلت مكانا للنقد والتعجب.. بيد أنه قد تكمن العلة فيه.. وينطوي السر في المنطق العلمي في الإدارة المؤدي لصلاحيات محفزة للإبداع وتقدير الكفاءات الطبية .. والله ولي الأمر والتدبير.